المذكرة التفسيرية للمادة (1) من المرسوم رقم (28) لسنة 2018

بشأن قبول الطعون الحقوقية أمام محاكم دبي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، المرسوم رقم (28) لسنة 2018 بشأن قبول الطعون الحقوقية أمام محاكم دبي، استجابة للتحول الذكي الذي شهدته إمارة دبي بشكل عام، ومحاكم دبي بشكل خاص، من خلال تبنيها لعدد من المبادرات الهادفة إلى تبسيط إجراءات التقاضي، وسرعة الفصل في الدعاوى، وذلك من خلال استخدام التقنيات الحديثة في تقديم الخدمات المرجوّة منها، ومن بين هذه المبادرات الخدمات الإلكترونية المتعلقة بتسجيل الدعاوى الابتدائية والطعون والأوامر القضائية المؤقتة والمستعجلة والتنفيذ، وغيرها، وقد شملت الخدمة الإلكترونية المتعلقة بتسجيل الطعون الحقوقية أمام محاكم دبي، الطعن بالاستئناف، والطعن بالتمييز، والتماس إعادة النظر، وقد رسمت المحاكم الخطوات الرئيسة للاستفادة من هذه الخدمة، من حيث بيان وصفها،  والمستفيدين منها، والوثائق والمستندات المطلوبة لتسجيل الطعن، وإجراءات تسجيله، والرسوم المقررة عليه، ورحلة المتعامل الذي يقدم الطعن، بدءاً من لحظة تسجيله مروراً بمراجعته من إدارة الدعوى، وحضور الجلسات، وانتهاءً بالنطق في الحكم.

 

وحيث  إن محاكم دبي قد سمحت بتسجيل الطعون أمامها عن بعد، من خلال النظام الإلكتروني المعتمد لديها في هذا الشأن، وحيث أن عملية التسجيل الإلكتروني تخضع لإجراءات معينة، ومن بينها قيام إدارة الدعوى بتدقيق الطعن قبل المضي في إجراءات تسجيله، وحيث  إن هذه العملية قد تستغرق بعض الوقت، وحيث أن هذا الوقت قد يؤثر على موعد تقديم الطعن، وحيث أنه لا يد للطاعن في هذه الإجراءات، فقد جاء إصدار هذا المرسوم، لتنظيم بعض الجوانب المتعلقة بتسجيل الطعون إلكترونياً ومواعيد سداد الرُّسوم والتأمينات المُستحقّة عنها، على نحو يعالج الإشكاليات التي نجمت في الواقع العملي عن عملية قيد الطعون من خلال النظام الإلكتروني المعتمد في محاكم دبي، والمتمثلة في فوات ميعاد الطعن نتيجة عدم سداد الرسوم المقررة، بسبب الوقت الذي يستغرقه مكتب إدارة الدعوى في المحكمة المختصة في مراجعة وتدقيق الطعن والتحقق من استيفائه لكافة الشروط المقررة بموجب التشريعات السارية، وهو الأمر الذي جعل هذه الطعون عرضة للحكم بعدم قبولها شكلاً من المحكمة المختصة بنظر الطعن، نتيجة التأخر في سداد الرسوم أو التأمينات المستحقة عن المواعيد المقررة قانوناً، فجاء هذا المرسوم ليقرر قبول هذه الطعون شكلاً في حال تم تسجيلها خلال مواعيد الطّعن المُحدّدة بموجب التشريعات السارية، وسداد الرسوم والتأمينات المقررة عليها خلال (3) ثلاثة أيام عمل من تاريخ إخطار الطاعن بالسداد من مكتب إدارة الدعوى لدى المحكمة المختصة وذلك على النحو الذي سيأتي بيانه في هذه المذكرة.

 

الأسباب الموجبة لطلب تفسير نص المادة (1) من المرسوم رقم (28) لسنة 2018:

بناءً على المذكرة المقدمة إلى اللجنة العليا للتشريعات من المركز الدولي للتدريب والدراسات، التي تضمنها كتاب رئيس مجلس إدارة المركز المؤرخ في 15/03/2020، والتي أشار فيها إلى صدور قرار من محكمة الاستئناف في دبي، توصلت فيه إلى أن نطاق تطبيق المرسوم رقم (28) لسنة 2018 المُشار إليه لا يشمل الطعون الحقوقية المقدمة إلى محكمة الاستئناف، لذلك ارتأينا في اللجنة، استناداً للصلاحيات المخولة لها بموجب مرسوم إنشائها رقم (23) لسنة 2014، وضماناً لحسن تطبيق التشريعات السارية في إمارة دبي، وتوحيد الاجتهادات حول دلالاتها، أن يتم تحديد نطاق تطبيق هذا المرسوم، وذلك من خلال تفسير نص المادة (1) منه، لتحديد ما إذا كان نص هذه المادة يشمل كافة أنواع الطعون الحقوقية التي تقدم لمحاكم دبي، أم أنه قاصر فقط على الطعون الحقوقية المقدمة أمام محكمة التمييز.

 

لأجل ذلك، فإننا نورد فيما يلي تفسيرنا لأحكام هذه المادة.

 

نص المادة الخاضعة للتفسير:

نصت المادة (1) من المرسوم رقم (28) لسنة 2018 بشأن قبول الطعون الحقوقية أمام محاكم دبي على أنه:

"تكون الطعون الحقوقية التي يتم قيدها على الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم دبي مقبولة شكلاً من حيث مواعيد سداد الرسوم والتأمينات المستحقة عنها، شريطة ما يلي:

1.      أن يتم تسجيل الطعن لدى مكتب إدارة الدعوى بشكل مباشر، أو عن طريق النظام الإلكتروني المعتمد لدى محاكم دبي، خلال مواعيد الطعن المحددة بموجب التشريعات السارية.

2.      أن يقوم الطاعن بسداد الرسوم والتأمينات المقررة قانوناً، خلال (3) ثلاثة أيام عمل من تاريخ إخطاره بالسداد من مكتب إدارة الدعوى لدى المحكمة المختصة، ما لم يقرر رئيس محاكم دبي مهلة أخرى".

 

إن الغاية والمقصد من هذه المادة، هي تحديد التاريخ المعتبر لغايات سداد الرسوم والتأمينات المقررة على قبول الطعون الحقوقية المقدمة على الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم دبي، المشمولة بأحكام الباب الثاني عشر من القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 في شأن الإجراءات المدنية وتعديلاته، وذلك من  الناحية الشكلية، سواء كان هذا الطعن مقدم لمحكمة الاستئناف أو لمحكمة التمييز أو للمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون عليه من خلال التماس إعادة النظر، ومما يدل على ذلك أن عبارة "الطعون الحقوقية التي يتم قيدها على الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم دبي" الواردة في مطلع هذه المادة جاءت مطلقة من أي قيد يحدد نوع الطعن، عدا عن كونه طعن حقوقي، هذا من جهة.

 

ومن جهة ثانية، وحيث أن الحكمة المتوخاة من هذه المادة عدم الإضرار بالمتقاضين، من خلال تحديد التاريخ المعتبر لقبول الطعن شكلاً، فإن هذه الحكمة متحققة بصرف النظر عن المحكمة المنظور أمامها الطعن، كون شرط سداد الرسوم والتأمينات المقررة قانوناً متحققة بالنسبة لكافة أنواع الطعون الحقوقية بدلالة المواد (161) و(168) و(177) من القانون الاتحادي رقم (11) لسنة 1992 وتعديلاته المشار إليه.

 

كما أن هذه المادة تضمنت شرطين يلزم توفرهما لقبول الطعن شكلاً لدى المحكمة المختصة، وذلك من حيث سداد الرسوم والتأمينات المستحقة عنه، حيث بيّن البند (1) من هذه المادة الشرط الأول، وهو التزام الطاعن بتسجيل طعنه لدى مكتب إدارة الدعوى التابع للمحكمة المختصة مباشرةً أو عن طريق النظام الإلكتروني المعتمد لدى محاكم دبي، وذلك خلال مواعيد الطعن المحددة قانوناً، في حين أن البند (2) من المادة ذاتها قد حدد الشرط الثاني، وهو قيام الطاعن بسداد الرسوم والتأمينات المقررة قانوناً نظير تقديم الطعن خلال (3) ثلاثة أيام عمل من تاريخ إخطاره بسدادها من مكتب إدارة الدعوى لدى المحكمة المختصّة، ما لم يتم تأجيل سداد هذه الرسوم والتأمينات إلى مهلة أخرى بناء على موافقة رئيس محاكم دبي. والهدف من تحديد هذه المدة هي ضمان التزام الطاعن باستيفاء شروط قبول الطعن شكلاً، المتمثل في سداد الرسوم والتأمينات المقررة.

 

وبالتالي فإن توفر الشرطين سالفي الذكر يعتبر أمراً لازماً لقبول الطعون الحقوقية شكلاً على الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم دبي، وتخلف أي منهما يحول دون القبول الشكلي للطعن لدى المحكمة المختصة.

 

وفقاً للقواعد العامة في تفسير النصوص القانونية، فإن النص القانوني لا يعدو أن يكون مجموعة من العبارات والألفاظ التي يريد بها المشرع التعبير عن حكم معين، ولذلك فإن الكشف عن مدلول هذا النص يبدأ بتفسير عباراته واستخلاص الحكم القانوني منها، فعبارة النص المكوّنة من مفرداته وجمله هي السبيل الأول للكشف عن معناه، وما يفهم من عبارة النص هي المعاني والأحكام المستخلصة من صيغته، والتي سيق النص لبيانها وإقرارها، لأن المشرع عندما يقرر نصاً قانونياً إنما يسوقه لإقرار حكم معين قصد تشريعه به، وصاغ ألفاظه وعباراته لتدل عليه بصورة واضحة، أما إذا كانت دلالة منطوق النص غير كافية لاستجلاء الحكم المقصود منه، فيرجع في تفسيره إلى دلالة مفهومه التي تتحدد بفحوى النص وروحه والمقاصد العامة منه والحكمة الباعثة على سنّه والمصلحة التي قصد المشرع تحقيقها من ورائه. 

 

وبالرجوع إلى نص هذه المادة لتفسير معناها، وتعيين مدى ونطاق انطباقها، فإنه يتعين أولاً استخلاص حكمها القانوني من عباراتها الواضحة الدلالة عليه، فمتى كان هذا الحكم ظاهراً فهمه من صيغة النص وجب احترامه والعمل به، ولا يجوز العدول عنه إلى حكم خفي لا يمكن استنتاجه من منطوق النص أو من مفهومه، بحجة أن هذا الحكم هو مقصد المشرع ومبتغاه، أو أن في إعماله ما يحقق العدالة التي قُصدت من سنّه وتشريعه، فوظيفة المفسر هي ضمان تطبيق التشريع بصورة سليمة وليس تعديله، والحكم بالقانون لا الحكم على القانون، وباستقراء نص هذه المادة يتبيّن أن ألفاظها وعباراتها جاءت من العموم والإطلاق لتشمل بحكمها كافة أنواع ودرجات الطعون الحقوقية التي يتم تسجيلها لدى أي محكمة مختصة بنظر هذه الطعون في محاكم دبي، ومن ثم فإنه وإعمالاً للقاعدة العامة التي تقضي ببقاء المطلق على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده نصاً أو دلالةً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إعمال هذه القاعدة يجب ألا يترتب عليه تفسير النص القانوني تفسيراً يخالف مقصد المشرع، فإن وضوح عبارة نص المادة (1) من المرسوم رقم (28) لسنة 2018 المشار إليه ودلالتها القاطعة على عموم حكمها لكافة الطعون الحقوقية التي يتم قيدها على الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم دبي لا تترك مجالاً للاجتهاد بقصر حكمها على نوع معين من الطعون دون غيره، وبما يحيد عن قصد المشرع ومبتغاه، وحيث  إن نص هذه المادة جاء واضحاً في دلالته على شمول حكمه لجميع المحاكم التي يجوز قيد الطعون الحقوقية أمامها، فإن عبارة المحكمة المختصة تنصرف إلى محكمة الاستئناف ومحكمة التمييز، والمحكمة التي أصدرت الحكم المطعون  فيه بالنسبة لالتماس إعادة النظر، ويتعين بالتالي تطبيق أحكام هذا المرسوم على كافة الطعون الحقوقية التي يتم تسجيلها لدى المحكمة المختصة بصرف النظر عما إذا كان الطعن مقدماً لدى أي من هذه المحاكم.